1] نشرت مجلة المجلة السعودية في عددها بتاريخ 14/20ربيع الأول، مقابلة مع حسن العلوي! والذي كان مسئولاً إعلامياً وحزبياً بارزاً في العراق، وكان في المقابلة سؤال: ''ما هي في نظركم الأسباب التي دفعت صدام حسين إلى غزو الكويت؟''.
وكان من الجواب بعد أن نفى أن يكون الهدف اقتصادياً أو توسعياً كما تذكر الصحف المصرية وغيرها:
''إن ضمَّ الكويت هدف قديم في سياسة صدام حسين، وقد تناولت ذلك في دراسات عديدة أشير إلى بعضها (مقال في جريدة تشرين السورية- العدد الصادر بتاريخ 3-تموز-يوليو- 1982، مقال في جريدة الجهاد الناطقة بلسان حزب الدعوة الإسلامي العدد الصادر في 4نيسان-إبريل-1983، وفي جريدة التيار الجديد الصادرة في لندن بتاريخ (11أذار-مارس- 1985)، وقد أكدتُ في تلك المقالات على أن صدام سيضم الكويت بعد انتهاء الحرب لكن توقيت العملية سيبقى مرهوناً بظروفها.
أما وقد تمت في الثاني من آب- أغسطس-1990م أي بعد سبع سنوات على نشر أقدم مقال أشرت فيه إلى احتمال الضم، فإن بالإمكان الآن الاستعانة، لا بعلم السياسة بل بسايكولوجية صدام حسين وأسلوبه في العمل لمعرفة السبب المباشر، وهو سبب يرتبط بالمتغيرات الكبيرة وسقوط الدكتاتوريات في أوروبا الشرقية، وما أعقب ذلك من مواجهة كتابات صحفية وتصريحات سياسية عن توقع هبوب الرياح الديمقراطية على المنطقة العربية، وقد رشحت صحف عالمية ومصادر عربية العراق الاسم الأول في قائمة من ستهب عليه رياح التغيير، وكانت حتى الصحف العربية تتحدث عن وجود شاوشيسكو عربي، بينما أشارت صحف غربية إلى أن شاوشيسكو يبدو "وزة" مسالمة بجانب صدام حسين.
صدام في أعماقه كان يحمل مخططاً آخر يستند إلى نظريته في الأمن الوقائي التي تستهدف ضرب الخصم، وهو في مرحلة حمل النوايا قبل أن تترجم النوايا إلى أحداث، إنه ليس ذلك الذي يمنح خصمه الضربة الأولى، لقد اختار -وكان ناجحاً- بمعايير خاصة أن يهاجم المستقرات الدولية ويهدد المصالح الأمريكية والغربية مباشرة بعملية تستطيع أن تغير بؤرة الاهتمام وتجعل المطالب الديمقراطية على هامش مهمل، ولم يكن أفضل من غزو الكويت ما يحقق له ذلك.
لقد هيأ لذلك بتهديدات تأكل نصف إسرائيل، وتحرش بـبريطانيا حين أعدم صحفياً لها، وأعلن بعد غزو الكويت أن العراق يقود العرب لمواجهة أمريكا... هل يعني أنه كان مضطراً؟ إنه لم ينفذ عمليته مختاراً أو من موقع القوة بل بتصرف المحكوم عليه بالإعدام، ولهذا فهو لن ينسحب. الحكم صادر عليه وهو ليس من هؤلاء الذين يثقون بوعود قد تقدم إليه باستمراره بالسلطة بعد الانسحاب...
ولأن القرار العراقي لا يخضع لقوانين علم السياسة، فقد تكبو توقعاتنا وينسحب صدام''...اهـ.
2) نشرت جريدة الحياة بتاريخ 3ربيع الأول مقالاً بعنوان: لماذ أمر صدام بتسريب محاضر جلسته مع غلاسبي- أي مع سفيرة أمريكا في بغداد جاء فيه:
''واضح من تعارض الصيغ التي طرحتها حكومة العراق خلال شهر آب (أغسطس) إنها كانت ترتجل الحلول بطريقة عشوائية تدل على الضياع وعدم الثبات، كأن هناك خطأ ما حدث أثناء تنفيذ عملية الاجتياح أدى إلى إرباك الخطة كلها، ويقول القادمون من منطقة "دسمان": إن الأمير وأفراد العائلة غادروا قبل 7 دقائق فقط من وصول الوحدة العراقية المكلَّفة بأسرهم أو اغتيالهم، وكان المطلوب على ما يظهر إحداث قرار دستوري نتيجة للعملية التي لم تتكامل، وبهذا يكون الرئيس صدام حسين حقق غرضه بالتخلص من السلطة "المتعبة"، ووضع الكويت أمام احتمال الإتيان بصيغة التحالف تكون للمعارضة فيها حصة الأسد، لكن خروج الأسرة الحاكمة إلى السعودية أدى إلى الإقلاع في اتجاه معاكس، ففي الأيام الأربعة الأولى تحدثت بغداد عن نية الانسحاب المشروط خصوصاً بعدما رفضت إدارة جورج بوش التجاوب مع بشارات الحوار التي أرسلت بواسطة شخصية عربية إلى مكتب جون سنونو رئيس أركان البيت الأبيض''.
ومع صدور قرار الإنزال الأمريكي تغيرت صورة الأزمة ونقل موضوع التسوية إلى إنشاء هونغ كونغ كويتية كبوابة نظام "حر" يتمتع بحكم ذاتي، ثم سقط هذا الخيار أيضاً؛ لأن المعارضة رفضت أي تعاون لتشكيل حكومة ثورية، ولكي تتحاشى بغداد الإشكال القانوني حول شرعية النظام الجديد أعلنت ضم الكويت واعتبرتها امتداداً جغرافياً وتاريخياً للعراق.
ثم تحدث عن محضر الاجتماع بين صدام والسفيرة (المحضر الرسمي الذي سربه العراقيون) يفتح باب الاجتهاد على الاحتمالات المختلفة، ويعطي الانطباع بأن السفيرة التي اشتغلت في حل الأزمة اللبنانية تعرف جيداً ماذا كان يعني صدام حسين بقوله: عندما نجتمع في جدة ونرى أن هناك أملاً في التوصل إلى تسوية، فأنا على يقين بأن شيئاً لن يحدث، أما إذا فشلنا في إيجاد حل عندئذ يبقى من الطبيعي أن يرفض العراق الموت والهلاك!!
جاء هذا الكلام في معرض الاستيضاح عن الغاية من نشر قوات عراقية مكثفة على طول الحدود مع الكويت. وقالت السفيرة "الدقيقة الحجم الخافتة الصوت": إن واشنطن طلبت منها -من موقع الصداقة لا التحدي- الاستفسار عن معنى هذا التجمع العسكري وإبلاغها الرئيس العراقي بطريقة رمزية أن اجتماع جدة ربما كان آخر حل دبلوماسي، وأكثر من هذا فإن وقائع المحضر تشير إلى إنذار واضح حول الخطوات العملية التي سيقدم عليها العراق إذا فشلت المفاوضات وقال لها حسبما جاء في المحضر:
''إذا كان بمقدورنا الاحتفاظ بكل العراق -يعني الكويت أيضاً وشط العرب- فإننا لن نقدم أي تنازل، أما إذا خيرنا على نصف شط العرب فنحن على استعداد للتنازل عن النصف الآخر لـإيران شرط الاحتفاظ بكل العراق على النحو الذي نبتغيه''.
بعد انقضاء أربعة أيام على الاجتياح استقبل صدام حسين القائم بالأعمال الأمريكي -جوزيف ويلسون- لأن السفيرة غلاسبي انتقلت إلى باريس لقضاء عطلة الصيف وهي حالياً ملحقة في مكتب متواضع في وزارة الخارجية في انتظار مصيرها الدبلوماسي.
وقال ويلسون:
''من المفيد استئناف الحوار، إن هذه هي الطريقة المثلى لإزالة التوتر'' ورد الرئيس العراقي عليه: ''إن بلاده لن تتعرض بالأذى لأي بلد لا يعتدي عليها'' وعاد ويلسون يسأل: ''والسعودية؟ أجاب صدام: إن هذا السؤال لم يخطر لي على بال!! إذا كنتم فعلاً قلقين على السعودية فإن قلقكم لا مبرر له، أما إذا كنتم تدفعون السعودية إلى أن تقلق فهذا أمر آخر''.
وفي ردها على هذا السؤال قالت السفيرة -غلاسبي- لـصحيفة واشنطن بوست: ''أنه لم يخطر على بالها أن صدام حسين سيحتل كل الكويت'' ومن هذه العبارة الصغيرة بنت المعارضة في الكونجرس حجتها للمطالبة بإقالة بيكر وكيلي لأنهما فشلا في فهم مخاطر هذا الموضوع اهـ.
ولهذا المحضر رواية أخرى نشرتها مجلة المجلة السعودية في عددها المشار إليه عن مايلز كوبلاند -رجل المخابرات الأمريكي المشهور في المنطقة ومؤلف كتاب لعبة الأمم وغيره- يقول كوبلاند:
''إن النص الذي نشر في هذه الصحف كمحضر للاجتماع غير كامل، وإن النص الكامل موجود لدى وزارة الخارجية الأمريكية، وقد اطلع هو على نسخة منه، والذي حصل فيه أن غلاسبي أبلغت صدام أن حكومتها على علم بخطته لغزو الكويت، وحذرته من عواقب مثل هذا العمل بالنسبة إليه شخصياً وإلى النظام في بغداد وإلى البلاد ككل''.
ونفى صدام من جهته وجود أي خطة لغزو الكويت، لكنه أضاف أنه ''حتى لو حصل مثل ذلك فنحن مهيأون تماماً لردود الفعل الدولية التي لن تتجاوز الصراخ وحملات الغضب في الصحف الغربية. وسيصوت مجلس الأمن على قرار بفرض حظر على العراق، ونحن قادرون على تجاهل ذلك مثلما تجاهلت إسرائيل قرارات مماثلة في السابق، وستصوتون على عقوبات اقتصادية وما شابه ذلك. ومع الوقت سيهدأ كل هذا الضجيج وسيبقى العراقيون في الكويت''.
ويرى كوبلاند أن إيريل غلاسبي لم تواجه صدام وأنها كانت مرنة معه خلال اللقاء حتى عندما هددها بنية مواجهة الإجماع الدولي ضده، ومن هنا كان الانطباع لدى العراقيين الذين حاولوا تسريبه إلى الصحف الأجنبية وإلى عدد من الدبلوماسيين للإيحاء أنه كانت هناك لا مبالاة أمريكية حيال النوايا العراقية.اهـ
4- نشرت جريدة السياسة الكويتية الصادرة بـجدة في 7ربيع الآخر1411هـ، بعنوان رئيسي كبير -تقريراً عن الملف الأوروبي للقضية المسمى "جذور الصراع المقبل في الشرق الأوسط" وبالرغم مما في التقرير من أسماء وعبارات يمكن اعتبارها مقحمة أو موجهة توجيهاً خاصاً، فإننا ننقل رواية الملف للقاء السفيرة وهي رواية تدل على معرفة صدام والغرب بتصميم خارطة جديدة للمنطقة وتؤيد ماسبق، يقول الملف:
''بعد استماعه لفحوى الرسالة الأمريكية قال صدام حسين للسفيرة:
أنا لست معنياً بـالسعودية ودول الخليج الأخرى، ولست معنياً أيضاً بأي خارطة لتسوية جديدة في المنطقة، ولكنني معني بضرورة وضع حد للنزاع التاريخي بين الكويت والعراق'' .
وعقَّبت السفيرة الأمريكية قائلة: ''إن الرسالة التي أُبلغتُ بإيصالها لك أن حكومتي لا تقبل تنفيذ مثل هذا المخطط الذي اتفقتم عليه مع الأردن وإسرائيل، واليمن ومنظمة التحرير الفلسطينية'' .
ويقول تقرير الملف: ''إن صدام حسين يبدو أنه فهم تعقيب السفيرة الأمريكية بما يعني أن واشنطن يمكن أن تغض الطرف عن هجوم عراقي على الكويت''.
وفي الوقت نفسه يبدو أن واشنطن أرادت عبر هذه الرسالة أن تدع الأمور تمضي كما قد يتصورها صدام، حتى إذا ما ابتلع (الطعم) كان قد تورط بالفعل فيما تريد واشنطن، ذلك أن الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت كانت توصلت إلى قناعة بأن النظام العراقي قد أوشك على الدخول في "المنظومة النووية" بشكل يخل بالميزان العسكري الاستراتيجي في المنطقة.
ويعوق في نفس الوقت أساسيات النظام الدولي الجديد الذي اتفقت عليه واشنطن وموسكو بعد إنهائهما لفصول الحرب الباردة "ولهذا فإن واشنطن بدت وكأنها تستعجل إقدام صدام حسين على مغامرة من هذا النوع، تستوجب الضرورات بعدها أن توجه إليه ضربة عسكرية تقضي على البنية التحتية لكيان العراق وتدمر آلته العسكرية" اهـ.
ومن المهم هنا أن الجريدة نفسها نشرت في (ص: 3) تحليلاً عن نوايا صدام المبيتة، وأشارت إلى الخطاب الذي ألقاه في فبراير 1990م/ رجب 1410هـ، وفيه تحدث صدام بوضوح عن أفول نجم قوة الاتحاد السوفييتي، كما أن الرئيس العراقي تكهن بأن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تتمتع في السنوات الخمس المقبلة بحرية الحركة في الشرق الأوسط، وتوقع أن تستخدم واشنطن هذه الحرية لإيذاء العرب، مشيراً في هذا الصدد إلى المساعدات الأمريكية للمهاجرين السوفييت إلى إسرائيل، واستمرار وجود القطع البحرية الأمريكية في الخليج على الرغم من انتهاء الحرب الإيرانية العراقية.
ويستنتج صدام حسين من ذلك الآتي :
الدولة التي ستتمتع بالنفوذ الأعظم في منطقة الخليج العربي ونفطه سوف تحافظ من خلال ذلك على قوتها العظمى من دون وجود قوة مماثلة تقف في وجهها.
وهذا يعني أنه إذا لم يعِ شعب الخليج وسائر العرب ذلك؛ فإن رغبات الولايات المتحدة الأمريكية سوف تتحكم في الخليج العربي، وبالتالي فإن أسعار النفط سوف تثبت عند مستويات تفيد المصالح الأمريكية وتتجاهل مصالح الآخرين.
ويخلص الرئيس العراقي بعد ذلك إلى الدعوة لاستخدام أموال النفط التي يستثمرها العرب لفرض تغيرات في السياسة الأمريكية، وربما يجب سحب هذه الأموال وإعادة استثمارها في الاتحاد السوفييتي وبلدان الكتلة الشرقية في أوروبا، ويرى أنه لا مكان في صفوف العرب الطيبين لأصحاب القلوب الضعيفة الذين يجادلون في أن الولايات المتحدة الأمريكية كدولة عظمى تمثل عنصراً حاسماً، وما على الآخرين سوى الخضوع لها. اهـ.
5] نشرت جريدة الأهرام بتاريخ 19: 21/3/ 1411هـ ثلاث مقالات متوالية للأستاذ سلامة أحمد سلامة، المقال الثاني منها بعنوان: "مخطط أمريكي" والثالث: "الوقوع في المصيدة".
يقول: ''يعتقد أصحاب الرأي القائل بأن غزو العراق للكويت تم بتخطيط أمريكي مسبق...، فإن لم يكن بتخطيط فعلى الأقل بعلم مسبق، وذلك طبقاً لشواهد وأدلة سردناها أمس أن أمريكا كانت بحاجة إلى ظروف وملابسات استثنائية غير عادية تبرر لها العودة إلى فرض نوع من الوجود العسكري في منطقة الخليج.
أما لماذا تحتاج أمريكا إلى وجود عسكري في الخليج، فلأن مخططي الاستراتيجية الأمريكية يرون أن خط الدفاع الرئيسي عن مصالح أمريكا والغرب قد تزحزح من أوروبا إلى منطقة الخليج... وذلك في ضوء التطورات الدولية الأخيرة بعد أن انهار النظام الماركسي في أوروبا الشرقية، وتم التوصل إلى معاهدات واتفاقيات للحد من الأسلحة الاستراتيجية، ووضعت ضمانات تكفل عدم الاعتداء وعدم نشوب حرب بين أمريكا والاتحاد السوفييتي.
وبعد أن دخل الاتحاد السوفييتي نفسه تحت جنح الظلام الاقتصادي الغربي واشتدت حاجته إليه، وأصبح التعاون بين القوتين العظميين أكبر من أي تناقض أو تضارب بينهما، هكذا لم يبق أمام أمريكا والغرب بعد أن اختفى التهديد الأيديولوجي والعسكري من جانب السوفييت إلا أن يتركز الاهتمام على مصادر التهديد الأخرى؛ سواء كانت في صورة تهديدات للمصالح الاقتصادية ومصدر الطاقة كما هو الحال في منطقة الخليج، أو في صورة حروب ومنازعات تأتي من الصراعات والمشاكل الإقليمية المزمنة كما هو الحال في مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي، أو في صورة انفجارات وثورات تأتي من دول العالم الثالث والشعوب الفقيرة كما هو الحال في التناقض الشديد بين الشمال والجنوب.
ويرى أصحاب هذا الرأي أن التطورات التي أعقبت الحرب العراقية الإيرانية وبروز العراق بما لديه من أسلحة وقوات مدربة كقوة إقليمية مسيطرة في الخليج بدأت تثير مخاوف مخططي السياسة الأمريكية منذ عدة شهور، وكان تركها تنمو بدون تحجيمها معناه أن تتحول إلى قوة عالمية قد لا تحترم قواعد اللعبة في المنطقة.
ومنذ وقت طويل قامت السياسة الأمريكية على مبدأ أساسي هو الحيلولة دون أن تتعاظم قوة إحدى دول الخليج إلى درجة تمكنها من السيطرة على منابع البترول والتحكم في أسعاره وأسواقه...
فعندما حاولت إيران ذلك في عهد الخميني سلطت عليها العراق فأنهكتها وأوشكت أن تجهز عليها، والآن عندما ظن الرئيس العراقي أنه قادر على ذلك كان لا بد من تدخل السياسة الأمريكية لإعادة الأمور إلى نصابها... وبالأخص بعدما طالب بانسحاب الوحدات البحرية الأمريكية من مياه الخليج، وهدد بضرب إسرائيل بالصواريخ، ثم استدار إلى الكويت والإمارات ليرغمهما على تنازلات محدودة في أسعار البترول وديون الحرب التي على العراق لدول الخليج، ولكن هل معنى ذلك: أن أمريكا هي التي دعت صدام إلى غزو الكويت؟
النظرية التي تقول: إن أمريكا عرفت ولم تُبلِّغ، أو أنها قرأت بعض المؤشرات ولم تتحرك لوقف عدوان صدام ضد الكويت... قد تكون صحيحة في بعض جوانبها، ولكن هذا لا يعني أن أمريكا قد خططت بالاشتراك مع الرئيس العراقي لغزو الكويت، أو أن الأهداف الأمريكية والأهداف العراقية قد التقت عند نقطة واحدة، أو أن صدام عميل أمريكي ينفذ عن علم واقتناع خطة شيطانية كبرى، مثل هذه الاستنتاجات قد تبدو من نسج الخيال.
ولكنها لا تبعد كثيراً عن الواقع إذا عرفنا أن لدى الدول الكبرى وسائلها التي تمكنها من دفع بعض القيادات التي يستولي عليها الغرور وجنون العظمة إلى ارتكاب أخطاء قاتلة، والوقوع في مصيدة لا فكاك منها والسير في الطريق الذي رسمت له دون أن يدري... عن طريق إمداده بمعلومات موثقة ولكنها خاطئة ومسايرة في خطوط وتدبيرات تدفعه إلى مزيد من الشطط وسوء التقدير تقترب به من الهاوية دون أن يدري. اهـ.
6] ونشرت بعض الصحف كثيراً مما يؤيد ما سبق، رأينا الاستغناء عنه ولكن نشير إلى أحدها والعهدة فيه على راويته وهي "فضيلة الصباح" من الأسرة الحاكمة الكويتية تقول:
''عندما كنت طالبة بإحدى جامعات سويسرا كان ذلك على ما أذكره قبل سقوط شاه إيران... أعطاني أحد زملائي كتاباً مقطوعاً غلافه لأن "سي، آي، إيه" المخابرات الأمريكية تبحث عنه، وقامت بتمشيط سويسرا في 24 ساعة لإعدام أي نسخة، وقد أعطاني فرصة لقراءته في أربع ساعات. كان الكتاب يتعرض لما يحدث في نهاية هذا القرن وكاتبه كان أحد أعضاء البنتاجون، وكان عضواً في وفد القمة بين الرئيس الأمريكي والسوفيتي في ذلك الوقت... وفي الفصل الأخير من الكتاب وجدت هناك خريطة وليس عليها أي أثر للكويت على الإطلاق...وشاهدت دولة صغيرة في الشمال وهي مناطق البترول في العبيدات مكتوب عليها الدولة البترولية العالمية، وأعلامها أعلام الأمم المتحدة.
لقد كانت هذه الرؤية مستقبلية لنهاية القرن متفق عليها بألاَّ يكون وجود لدولة الكويت... ويبدو أنه كان يتم البحث عن عميل ليقوم بهذا المخطط ويتم السيناريو... وقد كان '' مجلة صباح الخير بتاريخ 30/2/ 1411هـ.
7] وأخيراً نذكر مقالة للسفير الأمريكي السابق في السعودية -جيمس أكينـز- نشرتها صحيفة -لوس أنجلوس تايمز بعنوان (الآن ومع تواجد القوات الأمريكية حول حقول النفط، هل ندع الفرصة تفوتنا؟..)
بدت هذه الفكرة جنونية في عام 1975م ولكن إحياءها يمكن أن يكون في تجاوز الترحاب الذي تلقيناه من الملك فهد.
يقول:
''في شهر يناير من عام 1975م نشرت صحيفة كومنتري -وهي نشرة يصدرها المحافظون الجدد- مقالة تقترح غزو المملكة العربية السعودية وذلك كحل لمشكلة الغرب الأزلية، ولمشاكل الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصادية، وتلت تلك المقالة العديد من المقالات الثائرة والتي اقترحت الاستيلاء على حقول النفط في شبه الجزيرة العربية ابتداءً بـالكويت وانتهاءً بـدبي "الإمارات"، ومن ثم استغلال النفط إلى آخره، وفي غضون 50 عاماً أو ما شابه ذلك تعود الممتلكات لمالكيها الأصليين، أي: بعد استنزاف النفط كله!!''
ثم يقول:
''وبالرغم من ذلك فهناك البعض في حكومة بوش والذين سوف يشيرون إلى أن الوقت ملائم الآن أكثر مما كان عليه الحال في عام 1975م وذلك على الأقل على مستوى احتلال عسكري لحقول النفط السعودية'' .
ويقول:
''إنني لست المراقب الوحيد والذي يملك دراية واسعة في هذا الميدان، ولديه القناعة بأن صدام حسين لم يكن ينوي مهاجمة المملكة العربية السعودية في أوائل الشهر الماضي، إن ذلك أمر غير منطقي... ومع ذلك فلقد قام وزير الدفاع الأمريكي -ديك تشيني- بإقناع الملك فهد بأن حدوث مثل ذلك الهجوم على المملكة العربية السعودية أمر وشيك الوقوع، ولدرجة أنه استطاع أن يقنع المملكة العربية بالتخلي عن سياسة معارضة وجود قوات عسكرية أمريكية، إنني أشك في أن الملك فهد كان يتصور وجود - 100.000- من الجنود الأمريكين، وربما ضعف هذا العدد، متواجدين على أرض المملكة العربية السعودية "ولمدة غير محدودة" .
''ولقد اتسعت مظلة الحماية الأمريكية منذ ذلك الحين لتشمل دولة الإمارات العربية المتحدة، وإذا لم يتم التخلص من صدام حسين، فإنه سيمثل خطراً محتملاً على المملكة العربية السعودية، وخطراً مؤكداً على أسرة آل سعود، وذلك إذا ما انسحبت القوات الأمريكية من المنطقة.
لذلك فمن المحتمل أن يكون وجود القوات الأمريكية في المنطقة أمراً مرغوباً فيه، ولفترة غير محدودة، وسواء كان ذلك الوضع مرضياً للجيش والشعب السعودي فإن ذلك يظل أمراً آخر.
إن هؤلاء الذين عملوا والذين لا يعملون حالياً في الحكومة الأمريكية ومن ضمنهم كيسنجر الذي كان جاداً في موضوع احتلال آبار النفط في عام 1975م، لا بد أنهم يرون الآن عدم ترك هذه المصادر غير العادية بعد أن أصبحت تحت سيطرتنا''.
ثم يقول:
''وهناك خطة أكثر خيالية تتمثل في تدويل جميع الدول العربية المنتجة للنفط، وبذلك يمكن تصحيح أحد الأخطاء الإلهية والمتمثلة في وضع هذه الثروة الثمينة في مكان لا تستحقه!!'' قاتله الله وأخزاه ..